عززت التقلبات الجيوسياسية دور المعدن الأصفر كملاذ آمن، خصوصاً بالنسبة للدول الناشئة التي تسعى إلى التقليل من اعتمادها على الدولار، منذ بدء تراجع العولمة مع انتشار وباء كورونا، والعقوبات الغربية التي فرضت على روسيا في أعقاب حربها مع أوكرانيا.
وارتفع سعر الذهب الأربعاء الماضي بأكثر من %1 ليصل إلى 1859 دولاراً للأونصة (31 غراماً)، فيما ارتفع بأكثر من %5 في شهر واحد ليبلغ أفضل مستوى له منذ 6 أشهر، ما يعكس وفق تقرير نشرته صحيفة لاتريبون الاقتصادية الفرنسية مكانة الذهب كملاذ آمن عندما يبدو المستقبل مظلماً.
ومع ذلك، لم يتفوق أداء المعدن الأصفر في عام 2022، وهو العام الذي شهد أزمة طاقة، وحرباً في أوروبا مع غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير الماضي، ومعدل تضخم لم نشهده منذ نهاية السبعينيات.
في الواقع، عاد سعر الذهب تقريباً إلى المستوى نفسه الذي كان عليه في يناير 2022 نحو 1800 دولار للأونصة، بعد أن ارتفع في مارس الماضي خلال الأسابيع الأولى من الحرب في أوكرانيا ليصل إلى 2070 دولاراً للأونصة، لكنه تراجع إلى ما يقرب من 1600 في سبتمبر مع التسارع في رفع أسعار الفائدة، خصوصاً من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة الأميركية لكبح جماح ارتفاع الأسعار.
أفضل أداء مقارنة بسوق الأسهم
ترى لاتريبون أن أداء الذهب كان أفضل من أسواق أخرى، خصوصاً سوق الأسهم، مع ارتفاع بنحو %6 في 2022 مقابل انخفاض بـ%19.4 بالنسبة لستاندرد آند بورز.
وإن استفادت توقعات التباطؤ الاقتصادي والركود في الولايات المتحدة والصين من الذهب الأصفر، فسيرتبط ارتفاع سعره أيضاً بالسياسة النقدية للبنوك المركزية.
وبحسب توقعات خبراء بنك جي بي مورغان لعام 2023، فإن متوسط سعر الذهب سيصل إلى 1860 دولاراً للأونصة في الربع الأخير من العام الجاري.
مراجعة العلاقة مع الدولار
تؤثر السياسة النقدية للاحتياطي الفدرالي الأميركي في سوق العملات، فيما يعانى الذهب من قوة الدولار، لكن العلاقة بين الذهب والدولار اتخذت منحى جديداً في 2022 وفق لاتريبون، خصوصاً بالنسبة للدول الناشئة، مع اندلاع الحرب في أوكرانيا. ويؤكد مجلس الذهب العالمي أن التوترات الجيوسياسية ستعزز دور الذهب لتجعل منه أفضل غطاء لمواجهة الأخطار الكبرى.
ومع العقوبات التي فرضتها الاقتصادات المتطورة على روسيا، ترغب الدول الناشئة، وعلى رأسها الصين، في تقليل ارتباطها بالعملة الخضراء، أي بالولايات المتحدة الأميركية.
إقبال على الشراء
وفق مجلس الذهب العالمي، فإن الخريف الماضي شهد مستوى قياسياً لمشتريات البنوك المركزية من الذهب خلال الربع الثالث من السنة، إذ تجاوزت الكمية 400 طن.
وبحسب لاتريبون، فإن ربع كمية الذهب المبيعة تُعرف الدول التي اقتنتها، بينما لا تعرف هوية من اقتنوا الـ300 طن المتبقية.
ويرجح أن تكون روسيا باعت كميات من الذهب إلى الصين لحاجتها إلى الدولار، منذ أن أخرجت من نظام سويفت. ويرى الخبير لوران شوارتز أن هذه الفرضية ذات مصداقية، خصوصاً أن عمليات استخراج الذهب مستمرة في روسيا، ثاني منتج للمعدن الأصفر في العالم، والبنك المركزي الروسي أكد عدم استحواذه على الإنتاج الوطني من الذهب، كما برر مشتريات شهري مارس وأبريل الماضيين بعدم توافر زبائن في السوق، مما يعني أن الوضع لم يعد هو نفسه، وأن الإنتاج الوطني وجد منافذ أخرى للبيع.
وأما في الصين، فقد تمت عمليات الشراء المهمة بعد التوترات مع الولايات المتحدة حول تايوان خلال الصيف، وقرار إدارة بايدن تقليص صادرات الرقائق الإلكترونية نحو بكين.
وأخيراً، اعترف البنك المركزي الصيني في نوفمبر الماضي بشراء الذهب، وأنه استحوذ في ذلك الشهر على 32 طناً ليرتفع مخزونه إلى 1980 طناً، ما يمثل سدس الاحتياطي العالمي بعيداً عن الاحتياطي الأميركي الذي يصل إلى 8133.5 طناً، والمخزن في قلعة فورت نوكس في ولاية كينتاكي.
التقليل من الارتباط بالدولار
لا تهدف بكين، وفق لاتريبون، إلى خلع التاج من على الدولار واستبدال اليوان به، ما دامت العملة الخضراء تسيطر على أغلبية المعاملات الدولية، ولكن هدفها الرئيسي هو تقليل الارتباط بالعملة الأميركية باستبدال الذهب الأصفر بالدولار. والحركة ليست جديدة، ولكنها تشهد تسارعاً مع الدروس المستخلصة من العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. فمنذ مطلع 2000، أطلقت الصين أسواقاً للمعادن النفيسة في شنغهاي وهونغ كونغ، حيث تتم كل المعاملات التجارية باليوان.