عنون المعلِّق المالي الأميركي في صحيفة فايننشال تايمز، روبرت أرمسترونغ، على الأزمة الحاصلة في بنك كريدي سويس، تحت عنوان «بنك كريدي سويس تحت الحصار»، متسائلاً عما إذا كان بنك آخر سوف يسقط بعد انهيار 3 بنوك أميركية.. فما قصة أزمة وهبوط الثقة بالبنك السويسري العريق؟ وهل ذعره مرتبط بفشل بنك سيليكون فالي الأسبوع الماضي؟ وهل شبح الأزمة المالية وصل فعلاً إلى أوروبا؟
تعرّض ثاني أكبر بنك في سويسرا، الذي تعود جذوره إلى عام 1856، لصدمات على مدى السنوات العديدة الماضية، نتيجة سلسلة من المشاكل والفضائح والإصلاحات على مستوى القيادة والقضايا القانونية. وقضت خسارة البنك البالغة 7.3 مليارات فرنك العام الماضي (حوالي 7.8 مليارات دولار) على أرباح العقد السابق، وفشلت خطة التحوّل الإستراتيجي الثانية للبنك، خلال مسيرته الممتدة لسنوات عديدة، حتى الآن في جذب المستثمرين أو وقف هجرة عملائه إلى مؤسسات مالية أُخرى.
ماذا يحدث في بنك الأثرياء؟
مجموعة كريدي سويس تعرّف نفسها بكونها بنكاً استثمارياً ومؤسسة مالية رائدة، تقدم نصائح مالية لعملائها في شتى جوانب الاقتصاد في كل مكان بالعالم، وعلى مدار الـ 24 ساعة.
ويقوم بنك كريدي سويس بإدارة أصول عملائه من أثرياء العالم، ويقدّم أيضاً خدمات مصرفية خاصة متكاملة private banking لكبار العملاء، وهي إدارة كاملة لكل أموالهم تغطّي الحفظ والاستثمار وإدارة القروض وإدارة الضرائب وإدارة المحفظة المالية والناحية التأمينية، وأيضاً تغطي الاستثمارات العقارية والخطط الطويلة المدى للثروات. في وقت تقدم بنوك UBS وميريل لينش وويلز فارجو ومورغان ستانلي وسيتي بنك خدمات مشابهة لخدمات بنك كريدي سويس.
تدهور السهم
يكافح «كريدي سويس»، الذي خسر نحو %98 من قيمته منذ عام 2007، من أجل استعادة ثقة العملاء والمستثمرين بعد سلسلة من التعثرات، كما أن الاضطرابات التي يشهدها قطاع البنوك العالمي، على خلفية أزمة انهيار بنك سيلكون فالي الأميركي، زادت من صعوبة موقفه.
وشهد ثاني أكبر بنك في سويسرا انخفاضاً في سعر سهمه منذ بداية العام الجديد بنسبة %39، وفي جلسة يوم الأربعاء لوحدها خسر نحو %24، ليصل إلى أدنى مستوى تاريخي جديد له. وفق بيانات «سي إن بي سي».
وشهدت القيمة السوقية لمصرف كريدي سويس انخفاضات شديدة بسبب مخاوف من انتقال عدوى انهيار مصرفين أميركيين، إضافة إلى تقريره السنوي، الذي أشار إلى «نقاط ضعف جوهرية» في الضوابط الداخلية.
تحديات تواجه البنك
يواجه بنك كريدي سويس تحديات عدة، أبرزها:
1 – سجل خسائر في عام 2022 بنحو 7.9 مليارات دولار، وهي تعد خامس خسارة فصلية على التوالي.
2 – زاد رأس المال من أجل تغطية عمليات التخارج الكبيرة التي قام بها، حيث إن السيولة المطلوبة لعملية إعادة الهيكلة بنحو 4.3 مليارات دولار.
أكبر المستثمرين
استبعد البنك الأهلي السعودي، أكبر المستثمرين في البنك السويسري، ضخ المزيد من السيولة في «كريدي سويس»، وهو ما دفع أسهم البنك السويسري إلى التراجع بنحو 21 بالمئة في أكبر تراجع يومي له على الإطلاق.
وقال عمار الخضيري، رئيس البنك الأهلي السعودي، لوكالة رويترز، الأربعاء، إنه لن يتسنى إعطاء البنك السويسري المزيد من السيولة، لأنه لا يمكن زيادة حصة الملكية فيه عن %10 بسبب قواعد تنظيمية. وأضاف الخضيري: «حسناً لا يمكننا ذلك.. لا نستطيع لأننا قد نتجاوز %10».
طوق نجاة
كان رئيس مجلس إدارة بنك كريدي سويس، أكسل ليمان، متحدّثاً في مؤتمر القطاع المالي في السعودية، يؤكد أن المصرف لا يحتاج إلى مساعدة حكومية، وأن لديه نسب رأسمال قوية، وميزانية عمومية قوية، مشيراً إلى أنهم بدأوا تنفيذ خطة إعادة الهيكلة الجذرية للبنك التي كشف عنها في أكتوبر.
وأشار إلى أنه سيكون من غير الدقيق مقارنة المشكلات التي يواجهها بانهيار مصرف «سيليكون فالي بنك» بسبب الاختلاف في التنظيم، إلا أن الذي حدث غير الذي قيل، إذ أجرى «كريدي سويس» ترتيباً لاقتراض ما يصل إلى 50 مليار فرنك (54 مليار دولار) من البنك الوطني السويسري (البنك المركزي)، وعرض إعادة شراء ديون، في محاولةٍ لعكس اتجاه هبوط ثقة السوق بسهم البنك السويسري.
البنك المتعثّر سيقترض عبر آلية تسهيلات السيولة، ويقدّم عرض مناقصة لإعادة شراء ما يصل إلى 3 مليارات فرنك من الديون المقوّمة بالدولار واليورو.
هذه التحركات غير المسبوقة من قِبل بنك سويسري كبير منذ الأزمة المالية لعام 2008، هي الأكبر حتى الآن لدعم الميزانية المالية لـ«كريدي سويس».
3 انكشافات عربية
1 – يمتلك البنك الأهلي السعودي في البنك السويسري %9.9، ومنذ بداية عام 2023 وصلت إلى 600 مليون دولار، وخسر في جلسة 14 مارس نحو 230 مليون دولار.
2 – يمتلك جهاز قطر للاستثمار في البنك السويسري %6.8، ومنذ بداية عام 2023 وصلت إلى 417 مليون دولار، وخسر في جلسة 14 مارس نحو 158 مليون دولار.
3 – تمتلك شركة هاريس أسوشيتس الأميركية في البنك السويسري %5، ومنذ بداية عام 2023 وصلت إلى 308 ملايين دولار، وخسر في جلسة 14 مارس نحو 117 مليون دولار.
4 – تمتلك مؤسسة بلاك روك في البنك السويسري %4.9، ومنذ بداية عام 2023 وصلت إلى 302 مليون دولار، وخسر في جلسة 14 مارس نحو 115 مليون دولار.
5 – تمتلك مجموعة العليان السعودية في البنك السويسري %3.1، ومنذ بداية عام 2023 وصلت إلى 193 مليون دولار، وخسر في جلسة 14 مارس نحو 73 مليون دولار.
إعادة شراء الديون
أعلن «كريدي سويس» عن عملية إعادة شراء ديون، هي الثانية خلال الأشهر الستة الأخيرة، حيث يتطلع إلى استعادة ثقة المستثمرين. كان البنك عرض إعادة شراء حوالي 3 مليارات دولار من ديونه في أكتوبر من العام الماضي، معلناً في ذلك الوقت أنه أراد «الاستفادة من ظروف السوق لإعادة شراء الديون بأسعار مغرية».
ويشتمل العرض الأخير على 10 سندات دين كبيرة تصل قيمتها إلى 2.5 مليار دولار، إضافة إلى 4 سندات دين كبرى مقوّمة باليورو بما يصل إلى 500 مليون يورو.
كريدي سويس.. أزمات متتالية منذ 2020
فبراير 2020
استقالة الرئيس التنفيذي تيدجان تيام بعد فضيحة التجسس
مارس 2021
تورط في انهيار Greensill Capital
أبريل 2021
5.5 مليارات دولار خسائر بعد تعثر Archegos
يوليو 2022
تورط في فضيحة غسل أموال متعلقة بالمخدرات
14 مارس 2023
تعرض لأكبر انهيار سنوي منذ 2008
16 مارس 2023
اقترض 54 مليار دولار من «المركزي السويسري» لاستعادة ثقته
«المركزي الأوروبي» يرفع الفائدة 50 نقطة أساس إلى 3.5 %
رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة، في اجتماعه المنعقد أمس، 50 نقطة أساس، لتصل تكلفة الاقتراض إلى %3.5، بما يتماشى مع التوقعات، ويفي بذلك بتعهده في الاجتماع السابق. وأكدّ أنه «من المتوقع أن يظل التضخم مرتفعاً للغاية لفترة طويلة»، وفي الوقت نفسه أحجم في بيانه أمس عن الإشارة إلى أي تحركات بشأن أسعار الفائدة في المستقبل.
وأُثيرت تساؤلات حول خطة البنك المركزي الأوروبي لرفع أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة أخرى، في ظل الاضطرابات المصرفية التي بدأت في الولايات المتحدة، وأحدثت فيما بعد صدمة على مسافة قريبة من عقر داره، في ظل الوضع الصعب الذي يواجهه «كريدي سويس». قد يُنظر إلى الرفع بمقدار نصف نقطة مئوية كدليل على أن الأزمة المصرفية ستكون قصيرة الأجل، ولكن يمكن أيضاً اعتبارها خطأ في السياسة النقدية، حيث إن الثقة في القطاع المصرفي تتعرّض لضغوط قوية.