أثارت الخسائر التي منيت بها دول خليجية في بنك كريدي سويس السويسري تساؤلات عن مدى تأثر دول الخليج بالأزمة المصرفية الحالية.
وأفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن الاستثمارات السعودية في “كريدي سويس” تكاد تكون تبخرت بالكامل، بعد استحواذ مجموعة “يو بي أس” على المصرف السويسري.
وكان الاستثمار السعودي في “كريدي سويس”، البالغ قيمته 1.5 مليار دولار، جاء خلال طفرة أسعار النفط، العام الماضي، وذلك عبر البنك الأهلي السعودي المدعوم من الحكومة، وبتوجيه من ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وفقا لما نقلته الصحيفة الأميركية عن أشخاص مطلعين على الأمر.
واستحوذ البنك الأهلي السعودي، المملوك بنسبة 37 في المئة لصندوق الثروة السعودي، على ما يقرب من 10 بالمئة من المصرف، مقابل 5.5 مليار ريال (1.46 مليار دولار) في نوفمبر الماضي.
وأظهرت حسابات وكالة رويترز أن البنك السعودي مُني بخسارة تقارب 1.17 مليار دولار في استثماراته.
وكان من بين الخاسرين أيضا جهاز قطر للاستثمار، وعائلة العليان السعودية.
وقالت وكالة بلومبرغ إن تداعيات أزمة بنك كريدي سويس أثرت على المستثمرين الخليجيين بشكل خاص، وهو ما يعكس التقلبات التي شهدتها هذه الاستثمارات الخليجية تاريخيا في البنوك الخارجية.
وقالت إن حوالي خمس البنك السويسري مملوك لمستثمرين من الشرق الأوسط، وهم من بين أكبر الخاسرين بسبب انهيار المصرف.
وأبرمت السعودية صفقة الاستثمار في المصرف حين كانت أسعار النفط تبلغ حوالي 100 دولار للبرميل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وترتبط منطقة الخليج بعلاقات عميقة مع بنك “كريدي سويس” بعد أن بدأت قطر الغنية بالغاز الطبيعي في اقتناص أسهم في المصرف السويسري، مع تذبذب الأسواق عام 2008.
وشهد جهاز قطر للاستثمار انهيار حصته، التي زادت في يناير إلى 6.8 في المئة، وهو ثاني أكبر مساهم فيه. واستثمرت قطر، وعائلة العليان معا، ما مقداره 6.2 مليار دولار في عام 2011 من خلال نوع خاص من الديون، وفق وول ستريت جورنال.
وفي عام 2013، حولت قطر أكثر من 4.5 مليار دولار من هذا الدين إلى سندات تسمى سندات رأس المال الإضافي من المستوى الأول، التي من المتوقع أن تتبخر كجزء من صفقة استحواذ “يو بي إس” على “كريدي سويس”.
تداعيات
كانت فاينانشال تايمز قد ذكرت في تقرير في يناير الماضي أنه خلال أزمة عام 2008 استخدمت الدول الخليجية طفرة أسعار النفط للاستثمار في الأصول الغربية المتعثرة. ووجهت أهم الاستثمارات إلى “سيتي غروب” و “كريدي سويس” و “باركليز” و “دايملر”.
والآن، تتطلع صناديق الثروة السيادية مرة أخرى إلى الحصول على فرص جديدة مستغلة الاضطرابات العالمية، وذلك بدعم من فوائض دولارية من جراء ارتفاع أسعار الطاقة، التي وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2008.
وفي حين أن الكثير من دول العالم تستعد للركود، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يجمع منتجو النفط والغاز في الشرق الأوسط ما يصل إلى 1.3 تريليون دولار من العائدات الإضافية، وكانت السعودية وحدها تضخ ما تصل قيمته إلى مليار دولار يوميا من النفط، العام الماضي.
وتوضح بلومبرغ أن الصناديق السيادية في الشرق الأوسط أنفقت ما يقرب من 89 مليار دولار على مستوى العالم، العام الماضي، أي ضعف العام السابق، وفقا لمزود البيانات “غلوبال أس دابليو أف”. وذهب 51.6 مليار دولار من هذا المبلغ الضخم إلى أوروبا وأميركا الشمالية.
وتشير إلى تهافت الشركات الغربية على عرض الفرص الاستثمارية أمام المستثمرين الخليجين، وكان ذلك واضحا خلال المؤتمرات الاقتصادية، التي عقدت مؤخرا في الإمارات والسعودية، حيث اكتظت القاعات بالحاضرين.
وتمول الصناديق الخليجية أكبر حزم الإنقاذ والاستثمارات وعمليات الاستحواذ في العالم، وذلك في قطاعات عدة.
وفي السعودية، يسعى صندوق الاستثمارات العامة إلى تسريع خطة ولي العهد لفصل المملكة عن اعتمادها على النفط الخام.
وفي الدوحة، يسعى جهاز قطر للاستثمار، الذي تبلغ قيمته 450 مليار دولار، إلى إبرام المزيد من الصفقات الخارجية بعد نجاح تنظيم بطولة كأس العالم.
وفي السنوات الماضية، كان المستثمرون الخليجيون يقتنصون الصفقات لشراء نواد وعقارات ومتاجر.
أما الآن، فيقولون إنهم يتحركون بشكل أكثر تكتيكية، ويستخدمون ثرواتهم للحصول على دور أكبر في الساحة العالمية، وتنويع اقتصاداتهم.
ونقلت فاينانشال تايمز، عن خلدون المبارك، الرئيس التنفيذي لشركة “مبادلة”، أكبر صندوق استثمارات في أبوظبي، الذي تبلغ قيمته 284 مليار دولار، وله استثمارات في أكثر من 50 دولة: “نريد الصفقات التي تتناسب مع طموحاتنا الاستراتيجية.. في عام 2008، كانت استجابتنا جيدة، ولكن هذه المرة نهجنا أكثر استباقية ومدروس من الناحية الاستراتيجية”.
وقال منصور بن إبراهيم آل محمود، الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار: “كنا صغارا جدا (في عام 2008). كنا نبني المحفظة من الصفر، لذلك كنا أكثر استغلالا للفرص”.
والتزمت “مبادلة” العام الماضي باستثمار 10 مليارات جنيه إسترليني في المملكة المتحدة على مدى خمس سنوات .
بينما تشمل أكبر استثمارات جهاز قطر للاستثمار، العام الماضي، 2.4 مليار يورو في شركة الطاقة الألمانية RWE.
أما الصندوق السعودي فقد أبرم عددا أقل من الصفقات الكبيرة، مع التحرك بشكل أكثر انتقائية.
وقال وزير المالية محمد الجدعان، وهو أيضا عضو في مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة: “لا نريد أن تظل الأموال عاطلة عن العمل، ولا تنتج عنها صفر”.
ويقول إن التوازن الدقيق الذي تريد الرياض تحقيقه هو الحفاظ على الانضباط المالي مع الاستفادة من الفرص. ويشير إلى أن الحكومة تراقب الإنفاق بكفاءة أكبر، وتحدد أولويات المشاريع على أساس العائد الاقتصادي المحتمل.
وكان من المفترض أن يكون الاستثمار السعودي في “كريدي سويس” مدخل للمملكة إلى القطاع المصرفي العالمي، مما يعزز مكانتها الناشئة كقوة استثمارية، يغذيها النفط.
والاثنين، قال البنك الأهلي السعودي إن استراتيجيته لن تتأثر بانخفاض قيمة استثماراته في البنك السويسري، مشيرا إلى أن “أي تغيير في القيمة العادلة للاستثمار في مجموعة كريدي سويس لن يؤثر على توقعات وخطط البنك المالية لسنة 2023”.
وقال دييغو لوبيز، العضو المنتدب لمزود البيانات “غلوبال أس دابلو أف”، في تصريح لرويترز، إن صناديق الثروة السيادية الخليجية استغلت فرصة عام 2008 ويمكن أن تفعل ذلك مرة أخرى وتوزعها فوائضها.
وقال: “شهد عام 2008 العديد من الخاسرين بين صناديق الثروة السيادية، ولكن أيضا بعض الفائزين، وفي هذا السياق، لن تمنع خسائر البنك الوطني السويسري وجهاز قطر للاستثمار المستثمرين الخليجيين الآخرين من السعي وراء فرص أخرى”.
وكان بنك أبوظبي الأول، أكبر بنك في الإمارات، قال في يناير إنه درس عرضا لشراء بنك ستاندرد تشارترد اللندني، لكنه ألغى الفكرة. وتتوقع رويترز أن يعيد البنك التفكير في الأمر الآن.
وتوقع جاستن ألكساندر، المحلل الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي في “غلوبال سورس بارتنرز”، أن تكون مشكلات البنوك الغربية مصدر جذب للبنوك الخليجية، التي تفكر في إجراء عمليات استحواذ”.