وسط زحمة الوعود التي تطلقها الأحزاب والشخصيات المتنافسة في انتخابات الرئاسة والبرلمان في تركيا يوم 14 من مايو يبدو لافتا تصدّر ثلاث شخصيات المشهد المتعلق بشكل الاقتصاد ما بعد الكشف عن النتائج.
ولا تتعلق أسماؤها بتحالف دون الآخر، بل ترددت منذ مطلع الشهر الجاري على لسان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مرشح “تحالف الجمهور” ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو، مرشح تحالف “الأمة”، وحليفته زعيمة “حزب الجيد”، ميرال أكشينار.
ومن غير الواضح كيف سيكون شكل الاقتصاد التركي بعد الانتخابات التركية، وما إذا كان الرئيس الثالث عشر سيظّل ملتزما بالنظرية غير التقليدية السائدة وصاحبها إردوغان، أم سيعدل عنها لاعتبارات يراها خبراء اقتصاد “ضرورية”.
واللافت أن الشخصيات الثلاث تؤيد النظريات التقليدية، أي نظام الاقتصاد الليبرالي.
وتعاني تركيا في الوقت الحالي من انخفاض قيمة عملتها إلى مستويات غير مسبوقة (20 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد)، بالإضافة إلى معدلات مرتفعة من التضخم، ثبتت عند 43.68 بالمئة عن شهر أبريل، بعدما وصلت إلى 85 بالمئة.
علاوة على ذلك، من المتوقع أن يكون لتداعيات الزلزال المدمّر، الذي ضرب الجنوب التركي في فبراير الماضي دور في تعميق جروح الحالة الاقتصادية الراهنة، ولاسيما أن عشر ولايات باتت أحياؤها مدمّرة بشكل كبير، في وقت نزح من تبقى من سكانها إلى ولايات أخرى.
“شيمشك والعدالة والتنمية”
الاسم الأول الذي يتصدر الوعود الاقتصادية لمرحلة ما بعد الانتخابات هو نائب رئيس الوزراء ووزير المالية السابق، محمد شيمشك، والذي يحظى بتقدير كبير من جانب المستثمرين الأجانب والأوساط الدولية.
تردد اسمه أولا في تقرير لوكالة “رويترز”، إذ قالت إن إردوغان يريد منحه دورا كبيرا في إدارة الاقتصاد، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية.
ولاقت المعلومات التي نشرتها الوكالة اهتماما بينما أطلقت تساؤلات في الداخل التركي وبين أوساط خبراء الاقتصاد، بعد أن التقى به الرئيس التركي إردوغان، وأعلن أنه سيقود فريقا بإدارة وزير المالية، نور الدين نباتي، للعمل على “تعزيز السياسات الاقتصادية في الفترة المقبلة”.
ولد شيمشك، في يناير من عام 1967 في منطقة أريكا في باتمان، وبعد تخرجه من جامعة أنقرة، قسم الاقتصاد، أكمل درجة الماجستير في جامعة إكستر في إنكلترا.
عاد شيمشك إلى تركيا، في عام 1993، بعد حصوله على درجة الماجستير في العلوم المالية والاقتصاد من جامعة إكستر، وبعدها عمل كخبير اقتصادي في السفارة الأميركية لدى أنقرة.
ثم عمل بعد ذلك كخبير اقتصادي أول في سفارة الولايات المتحدة لدى أنقرة لنحو أربع سنوات، ثم كباحث بعد انتقاله إلى نيويورك، في عام 1997، لدى قسم تحليل الأسهم في بنك الاستثمار الدولي “UBS”، ومن ثم في “ميريل لينش”، أحد البنوك الاستثمارية الرائدة في العالم، وفق صحيفة “حرييت”.
بالإضافة إلى عمله بصفته وزير المالية، شغل شيمشك في السابق منصب محافظ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تركيا، بين عامي 2007-2009، وعضوا في مجلس التنسيق لوكالة إسطنبول لعام 2010 كعاصمة للثقافة الأوروبية، بين عامي 2008-2011.
وفي عام 2012، حين شارك شيمشك بنشاط في إدارة الاقتصاد، بلغت حصة الأجانب في سوق السندات المقومة بالليرة ذروتها، إذ وصلت إلى حوالي 25 في المئة. وتظهر بيانات الخزانة أنها استقرت عند 0.8 بالمئة في نهاية يناير، وفق “رويترز”.
وظل شيمشك نائبا لرئيس الوزراء، حتى عام 2018.
ورغم تردد اسمه كثيرا بعدما التقى إردوغان في مقر حزب “العدالة والتنمية”، أعلن في بيان لاحق أنه “لا ينوي العودة إلى السياسة”.
ويُنظر إلى هذا الاقتصادي الكبير على أنه اسم يطبق قواعد اقتصاد السوق الحر والسياسات الاقتصادية التقليدية، على خلاف ما يسير فيه الرئيس التركي، منذ أواخر عام 2021، بعدما أعلن المضي بنموذج اقتصادي فريد وغير تقليدي.
ويقوم هذا النموذج على أن الفائدة هي سبب التضخم، وأنه يجب خفضها، وهو ما حصل لتصل إلى حد 8.5 بالمئة.
وعاد إردوغان ليؤكد نظريته قبل أيام من الانتخابات، بالقول إن “التجارب أثبتت للعالم فشل حل المشاكل عبر السياسات الاقتصادية الكلاسيكية”، مشددا أن “كل أزمة عالمية جديدة تبرهن صواب نموذج الاقتصاد التركي”.
وأضاف أن “نموذج الاقتصاد التركي أتاح للبلاد القضاء على المخاطر بنجاح، وبرهن ذلك بتحطيم أرقام قياسية في النمو والتوظيف والصادرات والسياحة”.
“رسالة باباجان والمنافس”
في غضون ذلك، تردد ذكر زعيم حزب “الديمقراطية والتقدم”، علي باباجان، ومنذ مطلع أبريل، كثاني الأسماء التي تتصدر الوعود الاقتصادية ما بعد الانتخابات، لكن من جانب أحزاب المعارضة.
وفي تسجيل مصور من داخل غرفة المطبخ ظهر باباجان إلى جانب منافس إردوغان، كمال كليتشدار أوغلو، يوم الثالث من شهر مايو، ووجها عدة رسائل تتعلق بالوعود الاقتصادية لـ”تحالف الأمة”.
وقال كليتشدار أوغلو: “كل شيء هو عمل جماعي. سننشئ البنية التحتية للثورة الصناعية للعصر في تركيا، التكنولوجيا الرقمية، الذكاء الاصطناعي، التعلم الآلي، والتقنيات المالية”.
وأضاف متحدثا عن حليفه باباجان: “السيد باباجان هو سياسي كفء كان على رأس إدارة الاقتصاد لسنوات، وقد تبنى سياسة عقلانية في الاقتصاد”، وأنه “اسم موثوق به في الأوساط المالية الدولية”.
يعتبر باباجان أحد مؤسسي حزب “العدالة والتنمية”، عام 2001، وهو أحد الوجوه المقدرة بين الأوساط الاقتصادية في تركيا، ولطالما لعب على وتر الاقتصاد بعد تأسيس حزبه، في 2019، وفي أعقاب انشقاقه عن الحزب الحاكم.
ويعتبر هذا السياسي – الاقتصادي أحد أركان تحالف المعارضة الذي اتخذ خلال عامين شكلا سمي بـ”الطاولة السداسية”.
ولد باباجان، في 4 أبريل 1967، بالعاصمة، أنقرة، وعمل منذ صغره في شركة العائلة التي أسسها جده، عام 1928.
تخرج من كلية تيد أنقرة، عام 1985، وفي 1990، ذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد فوزه بمنحة فولبرايت الدراسية للطلاب المتفوقين في العديد من دول العالم، وحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال (MBA) من كلية كيلوج بجامعة نورث وسترن بين عامي 1990-1992.
تخصص خلال دراساته العليا في التسويق والسلوك التنظيمي وإدارة الأعمال الدولية، وعمل، بين عامي 1992 و1994، كمستشار في شركة خاصة لتقديم الاستشارات لكبار المديرين التنفيذيين في القطاع المالي.
بعد عودته إلى أنقرة، عام 1994، تولى إدارة شركة العائلة. وفي عام 2001، أصبح عضوا مؤسسا لحزب “العدالة والتنمية” وانتخب كعضو في القرار المركزي والمجلس التنفيذي.
شغل منصب وزير الدولة المسؤول عن الاقتصاد في الحكومتين 58 و59.
وبعد أزمة عام 2001، وهي واحدة من أكثر الأزمات الاقتصادية تدميرا في تاريخ تركيا، كان يبلغ من العمر 35 عاما عندما تولى منصب وزير الدولة المسؤول عن الاقتصاد.
شغل منصب وزير الخارجية في الحكومة الثامنة والخمسين، وبعد الأزمة الاقتصادية، التي عصفت بالعالم عام 2008، أصبح نائب رئيس الوزراء للاقتصاد، عام 2009.
واصل منصبه كنائب لرئيس الوزراء، حتى 28 أغسطس 2015، وبعد ذلك شغل منصب نائب أنقرة في البرلمان لفترتين.
استقال من “العدالة والتنمية”، الذي كان عضوا مؤسسا فيه، في 8 يوليو 2019.
وأعلن بعد استقالته أنه بدأ العمل على تشكيل حزب سياسي جديد لمستقبل تركيا، تحت اسم “الديمقراطية والتقدم”.
“صاحب الثورة الاقتصادية”
رغم أن الوعود الاقتصادية التي يطلقها مسؤولو “تحالف الأمة” المعارض في تركيا تبدو في معظم الأحيان ككتلة واحدة، إلا أن البعض منها يعلن عنه بصورة منفردة أيضا، وهو ما ينطبق على حالة باباجان ونظيره، بيلغ يلماز.
وفي نفس اليوم الذي ظهر به كليتشدار أوغلو وحليفه باباجان كانت زعيمة “حزب الجيد”، ميرال أكشينار، تلقي خطابا على المنصة في بورصة وتمسك، بيد يلماز، الذي سبق وأن وعد بإحداث “ثورة اقتصادية” في البلاد.
وقالت أكشينار: “ستأتي أيها الحكيم وستدير اقتصادنا”، ليرد يلماز بعد ذلك عبر “تويتر”: “من خلال سياساتنا الصحيحة والمتسقة والشفافة سنعمل على ترسيخ الثقة بسرعة في أعين المستثمرين المحليين والأجانب”.
وتابع: “لن نسمح لصغار المستثمرين بأن يكونوا ضحايا. سنعمل على رفع سوق الأوراق المالية واقتصادنا بسرعة إلى المستويات التي يستحقونها”.
ولد يلماز في مدينة باليكسير الشمالية الغربية، وتخرج من أفضل جامعة تركية بدرجة في الهندسة الكهربائية والفيزياء ثم حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة برينستون.
ويشغل في الوقت الحالي منصب رئيس السياسيات الاقتصادية لـ”حزب الجيد”، وهو أحد أركان “تحالف الأمة” الذي يتحالف مع كليتشدار أوغلو إلى جانب خمسة أحزاب أخرى.
ويشير تقرير سابق لوكالة “بلومبيرغ” إلى أن أستاذ المالية في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا يتصدّر خيارات المستشارين من تحالف المعارضة التركية لتولي الإشراف على السياسات الاقتصادية للبلاد، في حال تحقق الانتصار إردوغان في الانتخابات.
وذكرت الوكالة أن يلماز مرشح محتمل لمنصب وزير الاقتصاد التركي.
وأشارت إلى أنه انخرط في تحالف المعارضة منذ أقل من عام، وعقد مؤخرا جلسة في مكتبه بأنقرة، حول كيفية تفكيك برامج إردوغان في حال الفوز بالانتخابات الرئاسية، وهو ما أكدته وسائل إعلام تركية معارضة، بينها صحيفة “جمهورييت”.
يعد يلماز بإحداث “ثورة” والتراجع عن السياسات التي يلقى عليها باللوم في أسوأ أزمة تضخم منذ عقود.
وكان قد أوضح رؤيته في تصريحات كثيرة، بقوله إنه “سيعيد تشكيل البنك المركزي بفريق عمل جديد من فئة (أ) من ذوي الخبرة في مكافحة التضخم”.
وأضاف مذكرا بالخروج من أزمة، عام 2001، أن “تركيا يمكن أن تنجح مرة أخرى مع الموظفين المناسبين”، وأنه لهذا السبب عاد إلى تركيا.